بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اله عز وجل رحمة منه بعباده أرسل الأنبياوالمرسلين:
أيها الأخوة، الآية الكريمة:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
[سورة النور]
تتمة هذه الآية:
﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾
[سورة النور]
أيها الأخوة الكرام، لا بد من تقديم لشرح هذه الآية، الله عز وجل رحمة منه بعباده أرسل الأنبياء والمرسلين، لكن تصور إنساناً يقول: أنا رسول الله، معه منهج، والمنهج افعل ولا تفعل، فيه تحريم، والذي ألف الحياة من دون ضابط يرفض هذا المنهج، والدليل الآية الكريمة:
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾
[سورة الرعد الآية:43]
المعجزات هي شهادة الله لأنبيائه ورسله أنهم أنبياؤه ورسله:
السؤال: كيف يشهد الله لعباده أن هذا الإنسان الذي أرسله لهم هو رسوله؟ لا بد من أن يشهد له بالرسالة، لتكون هذه الرسالة دليلاً على نبوته، الأنبياء السابقون شهد الله لهم بالرسالة عن طريق معجزات حسية، وتعريف المعجزات الحسية: أنها خرق لنواميس الكون، فسيدنا عيسى أحيا الميت، وهذا فوق إمكان كل البشر، سيدنا موسى ضرب البحر بعصاه فأصبح طريقاً يبساً، سيدنا إبراهيم وضع في النار فلم يحترق، هذه المعجزات الحسية هي في حقيقتها شهادة الله لأنبيائه ورسله أنهم أنبياؤه ورسله.
لكن الأمر مع رسول الله مختلف، النبي عليه الصلاة والسلام ليس كبقية الأنبياء أرسلهم الله لأقوامهم فحسب، النبي عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعثته خاتمة البعثات، وكتابه خاتم الكتب، فلا بد من أن تكون معجزته ليست حسية، بل علمية مستمرة، لأن المعجزة الحسية كتألق عود الثقاب تألقت وانطفأت، فأصبحت خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، أي شيء وقع وانتهى، لكن النبي الذي سيأتي بعده يأتي بمعجزه أخرى، إلا أن الأمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلف أشد الاختلاف، هو خاتم الأنبياء والمرسلين، بعثته خاتمة البعثات، كتابه خاتم الكتب، كيف تكون المعجزة مستمرة؟ لن تكون مستمرة إلا إذا كانت علمية.
الله عز وجل الذي خلق الكون هو الذي أنزل القرآن الكريم:
لذلك في هذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا آيات كثيرة تزيد عن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، لكن بعض هذه الآيات وقد أقول معظمها ليست حديثاً عن قوانين الكون، بل سبقاً علمياً لهذه القوانين، أي: قرآن نزل قبل ألف وأربعمئة عام، فيه إشارات إلى حقائق علمية تمّ كشفها قبل عشر سنوات أو عشرين عاماً، فهذا دليل قطعي مفحم على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، مثلاً هناك قضية معقدة جداً، بعد مئات السنين أي بعد ألف وأربعمئة عام من تطور علم الأجنة توصل العلماء إلى أن الذي يحدد جنس الجنين ذكراً أم أنثى، ليست البويضة ولكنه الحوين "النطفة"، تفتح القرآن الكريم وتقرأ:
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾
[سورة النجم]
هذا الشيء توصل العلماء إليه بعد مئات السنين من البحث والدرس في علم الأجنة، بالقرآن الكريم إشارة فقط.
صعد رائد فضاء إلى القمر، حينما كان هذا الرائد في طبقة الهواء التي تزيد عن خمسة و ستين ألف كيلو متر، لما تجاوز هذه الطبقة ودخل في الفضاء الخارجي، صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً، ما الذي حصل؟ هناك حادثة فيزيائية موجودة ضمن الهواء اسمها انتثار الضوء، أي إذا سلطت أشعة الشمس على الهواء بعض ذرات الهواء تعكس هذه الأشعة إلى مكان آخر، يكون هناك حالة اسمها انتثار الضوء، قف أنت في النهار بمكان ليس فيه أشعة شمس لكن المكان مضيء، من أين جاء هذا الضوء؟ من انتثار الضوء، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء انعدم انتثار الضوء صار هناك ظلام دامس، عندئذ صاح رائد الفضاء في أعلى صوته في أول رحلة اسمها أبولو، في أول رحلة تخطى فيها الإنسان طبقة الهواء ودخل في الفراغ أو في الفضاء الخارجي، قال: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، كلام طيب هذا عرف قبل ثلاثين عاماً، أما أن تأتي آية في القرآن الكريم تشير لهذه الحادثة قبل غزو الفضاء، وقبل صعود الإنسان للقمر، هذا دليل قطعي مئة في المئة على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، الآية:
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
[سورة الحجر]
هذا التطابق المذهل بين أحدث الكشوفات العلمية، وبين آية في كتاب نزل على النبي الكريم قبل ألف وأربعمئة عام، دليل قطعي على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
الآية التالية ينطبق مضمونها على أحدث الكشوفات العلمية:
أخواننا الكرام،
﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ﴾
أي عميق،
﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾
هناك حقائق في أعماق البحار، متى كشفت؟ كشفت بعد اختراع الغواصات، الإنسان في تاريخه الطويل ركب البحر على سفينة، أما أن يغوص في أعماق البحر بغواصة يرى كل شيء في الأعماق السحيقة هذا شيء جاء متأخراً.
لذلك مضمون هذه الآية ينطبق تماماً على أحدث الكشوفات العلمية، لا أحد يعلم أن في البحر طبقة عليا وطبقة سفلى، البحر بحران؛ بحرٌ فوق وبحرٌ تحت، ولكل بحر موج، ولكل بحر تيارات مائية، لذلك الإنسان كما قرأت في الحرب العالمية الثانية اكتشف هذه التيارات المائية في أعماق البحار، ماذا فعل؟ أصبح بالغواصات ينزل إلى هذه الأعماق ويطفئ المحركات فتمشي، ينتقل من مكان إلى آخر من دون صوت محرك يكشف وجوده، في بحر آخر موج أول وثان وثالث، وهذا البحر الآخر ظلامٌ دامس، فأشعة الشمس ينعدم ضوءها كلياً فيما قرأت بعد مئتي متر، يقول لك: ظلمات ثلاثة ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة الموج، فالأمواج السفلية في الطبقة السفلى من البحر، له أمواج، وله خصائص، وله تيارات، وله حركة، لا علاقة لها بالبحر العلوي أبداً.
لذلك الآية:
﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ﴾
أي عميق، هذا البحر الثاني
﴿ يغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾
والدليل أن البحر العميق
﴿ إذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾
ظلامٌ دامس، ظلمة صماء بعد مئتي متر لا ترى شيئاً، لذلك الظلمات الثلاثة قالوا: ظلمة الليل، وظلمة أعماق البحر، وظلمة قلب الحوت، ما كان هذا النبي في حوت فهناك ظلمات ثلاثة، ظلمة بطن الحوت، وظلمة أعماق البحر، وظلمة الليل،
﴿ بعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾
الإعجاز العلمي شهادة الله لمحمد صلى الله عليه وسلم أن هذا القرآن كلامه:
أخوتنا الكرام، الموضوعات العلمية في القرآن الكريم مبثوثة بألف وثلاثمئة آية، لكن بعض هذه الآيات وقد تصل إلى نصفها فضلاً عن أنها موضوعات علمية هي موضوعات إعجازية، لأن النبي الكريم شهادة الله له أنه نبيه ليست المعجزات الحسية، ولكن هذه الآيات الكونية في القرآن الكريم، بأي علم من علوم الأرض، العلوم تطورت وتطورت وتطورت، حتى استقرت الآن بوضع متقدم جداً، تأتي آية في كتاب الله تشير إلى هذا الوضع الأخير المتقدم، معنى ذالك أن الله الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
إذاً في القرآن الكريم ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، معظم هذه الآيات أو نصفها في الإعجاز العلمي، والإعجاز العلمي شهادة الله لهذا النبي الكريم أن هذا القرآن كلامه، والأدلة كثيرة كقوله تعالى:
﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾
[سورة يس]
هذه الذرة، كل شيء بالكون فيه كهارب تدور حول نقطة،
﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾
في خلق الإنسان
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾
تقرأ في سورة النحل:
﴿ َالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾
[سورة النحل الآية:8]
الحديث عن سيارة، وعن طائرة، وعن سفينة، أو عن غواصة، مع نزول القرآن لا معنى له إطلاقاً، يقول لك:
﴿ َالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾
يأتي إنسان راكب طائرة، أحدث طائرة تسع أربعمئة وخمسين راكباً كأنك في البيت، على ارتفاع أربعين ألف قدم مقعد وثير يصبح سريراً، أمامك كل شيء، صحف، مجلات، أمامك قنوات، فضائيات، فتح القرآن:
﴿ َالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ﴾
لا بغل، ولا خيل، ولا حمار، هذه طائرة " 777"، أكمل الآية:
﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[سورة النحل الآية:8]
معنى ذلك أن هذا القرآن كلام خالق الأكوان، الله عز وجل يعلم ما سيكون، علم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، قال:
﴿ َالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾
لولا هذه التتمة لكان هذا القرآن كلام سيدنا محمد، بحياته هناك خيل وبغال وحمير فقط، لا يوجد طائرات، ولا غواصات، ولا سيارات، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
هذه غطت وسائل النقل المتطورة.
والحمد لله رب العالمين
جزا الله تعالى كل الخير للشيخ الفاضل
محمد النابلسي
والاخوة القائمين على هذا العمل الطيب وتقديمه لاخوانهم المسلمين
اله عز وجل رحمة منه بعباده أرسل الأنبياوالمرسلين:
أيها الأخوة، الآية الكريمة:
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾
[سورة النور]
تتمة هذه الآية:
﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾
[سورة النور]
أيها الأخوة الكرام، لا بد من تقديم لشرح هذه الآية، الله عز وجل رحمة منه بعباده أرسل الأنبياء والمرسلين، لكن تصور إنساناً يقول: أنا رسول الله، معه منهج، والمنهج افعل ولا تفعل، فيه تحريم، والذي ألف الحياة من دون ضابط يرفض هذا المنهج، والدليل الآية الكريمة:
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾
[سورة الرعد الآية:43]
المعجزات هي شهادة الله لأنبيائه ورسله أنهم أنبياؤه ورسله:
السؤال: كيف يشهد الله لعباده أن هذا الإنسان الذي أرسله لهم هو رسوله؟ لا بد من أن يشهد له بالرسالة، لتكون هذه الرسالة دليلاً على نبوته، الأنبياء السابقون شهد الله لهم بالرسالة عن طريق معجزات حسية، وتعريف المعجزات الحسية: أنها خرق لنواميس الكون، فسيدنا عيسى أحيا الميت، وهذا فوق إمكان كل البشر، سيدنا موسى ضرب البحر بعصاه فأصبح طريقاً يبساً، سيدنا إبراهيم وضع في النار فلم يحترق، هذه المعجزات الحسية هي في حقيقتها شهادة الله لأنبيائه ورسله أنهم أنبياؤه ورسله.
لكن الأمر مع رسول الله مختلف، النبي عليه الصلاة والسلام ليس كبقية الأنبياء أرسلهم الله لأقوامهم فحسب، النبي عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعثته خاتمة البعثات، وكتابه خاتم الكتب، فلا بد من أن تكون معجزته ليست حسية، بل علمية مستمرة، لأن المعجزة الحسية كتألق عود الثقاب تألقت وانطفأت، فأصبحت خبراً يصدقه من يصدقه، ويكذبه من يكذبه، أي شيء وقع وانتهى، لكن النبي الذي سيأتي بعده يأتي بمعجزه أخرى، إلا أن الأمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلف أشد الاختلاف، هو خاتم الأنبياء والمرسلين، بعثته خاتمة البعثات، كتابه خاتم الكتب، كيف تكون المعجزة مستمرة؟ لن تكون مستمرة إلا إذا كانت علمية.
الله عز وجل الذي خلق الكون هو الذي أنزل القرآن الكريم:
لذلك في هذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا آيات كثيرة تزيد عن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، لكن بعض هذه الآيات وقد أقول معظمها ليست حديثاً عن قوانين الكون، بل سبقاً علمياً لهذه القوانين، أي: قرآن نزل قبل ألف وأربعمئة عام، فيه إشارات إلى حقائق علمية تمّ كشفها قبل عشر سنوات أو عشرين عاماً، فهذا دليل قطعي مفحم على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، مثلاً هناك قضية معقدة جداً، بعد مئات السنين أي بعد ألف وأربعمئة عام من تطور علم الأجنة توصل العلماء إلى أن الذي يحدد جنس الجنين ذكراً أم أنثى، ليست البويضة ولكنه الحوين "النطفة"، تفتح القرآن الكريم وتقرأ:
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾
[سورة النجم]
هذا الشيء توصل العلماء إليه بعد مئات السنين من البحث والدرس في علم الأجنة، بالقرآن الكريم إشارة فقط.
صعد رائد فضاء إلى القمر، حينما كان هذا الرائد في طبقة الهواء التي تزيد عن خمسة و ستين ألف كيلو متر، لما تجاوز هذه الطبقة ودخل في الفضاء الخارجي، صاح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً، ما الذي حصل؟ هناك حادثة فيزيائية موجودة ضمن الهواء اسمها انتثار الضوء، أي إذا سلطت أشعة الشمس على الهواء بعض ذرات الهواء تعكس هذه الأشعة إلى مكان آخر، يكون هناك حالة اسمها انتثار الضوء، قف أنت في النهار بمكان ليس فيه أشعة شمس لكن المكان مضيء، من أين جاء هذا الضوء؟ من انتثار الضوء، فلما تجاوز رواد الفضاء طبقة الهواء انعدم انتثار الضوء صار هناك ظلام دامس، عندئذ صاح رائد الفضاء في أعلى صوته في أول رحلة اسمها أبولو، في أول رحلة تخطى فيها الإنسان طبقة الهواء ودخل في الفراغ أو في الفضاء الخارجي، قال: لقد أصبحنا عمياً لا نرى شيئاً، كلام طيب هذا عرف قبل ثلاثين عاماً، أما أن تأتي آية في القرآن الكريم تشير لهذه الحادثة قبل غزو الفضاء، وقبل صعود الإنسان للقمر، هذا دليل قطعي مئة في المئة على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، الآية:
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾
[سورة الحجر]
هذا التطابق المذهل بين أحدث الكشوفات العلمية، وبين آية في كتاب نزل على النبي الكريم قبل ألف وأربعمئة عام، دليل قطعي على أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
الآية التالية ينطبق مضمونها على أحدث الكشوفات العلمية:
أخواننا الكرام،
﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ﴾
أي عميق،
﴿ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾
هناك حقائق في أعماق البحار، متى كشفت؟ كشفت بعد اختراع الغواصات، الإنسان في تاريخه الطويل ركب البحر على سفينة، أما أن يغوص في أعماق البحر بغواصة يرى كل شيء في الأعماق السحيقة هذا شيء جاء متأخراً.
لذلك مضمون هذه الآية ينطبق تماماً على أحدث الكشوفات العلمية، لا أحد يعلم أن في البحر طبقة عليا وطبقة سفلى، البحر بحران؛ بحرٌ فوق وبحرٌ تحت، ولكل بحر موج، ولكل بحر تيارات مائية، لذلك الإنسان كما قرأت في الحرب العالمية الثانية اكتشف هذه التيارات المائية في أعماق البحار، ماذا فعل؟ أصبح بالغواصات ينزل إلى هذه الأعماق ويطفئ المحركات فتمشي، ينتقل من مكان إلى آخر من دون صوت محرك يكشف وجوده، في بحر آخر موج أول وثان وثالث، وهذا البحر الآخر ظلامٌ دامس، فأشعة الشمس ينعدم ضوءها كلياً فيما قرأت بعد مئتي متر، يقول لك: ظلمات ثلاثة ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة الموج، فالأمواج السفلية في الطبقة السفلى من البحر، له أمواج، وله خصائص، وله تيارات، وله حركة، لا علاقة لها بالبحر العلوي أبداً.
لذلك الآية:
﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ﴾
أي عميق، هذا البحر الثاني
﴿ يغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ﴾
والدليل أن البحر العميق
﴿ إذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾
ظلامٌ دامس، ظلمة صماء بعد مئتي متر لا ترى شيئاً، لذلك الظلمات الثلاثة قالوا: ظلمة الليل، وظلمة أعماق البحر، وظلمة قلب الحوت، ما كان هذا النبي في حوت فهناك ظلمات ثلاثة، ظلمة بطن الحوت، وظلمة أعماق البحر، وظلمة الليل،
﴿ بعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾
الإعجاز العلمي شهادة الله لمحمد صلى الله عليه وسلم أن هذا القرآن كلامه:
أخوتنا الكرام، الموضوعات العلمية في القرآن الكريم مبثوثة بألف وثلاثمئة آية، لكن بعض هذه الآيات وقد تصل إلى نصفها فضلاً عن أنها موضوعات علمية هي موضوعات إعجازية، لأن النبي الكريم شهادة الله له أنه نبيه ليست المعجزات الحسية، ولكن هذه الآيات الكونية في القرآن الكريم، بأي علم من علوم الأرض، العلوم تطورت وتطورت وتطورت، حتى استقرت الآن بوضع متقدم جداً، تأتي آية في كتاب الله تشير إلى هذا الوضع الأخير المتقدم، معنى ذالك أن الله الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.
إذاً في القرآن الكريم ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، معظم هذه الآيات أو نصفها في الإعجاز العلمي، والإعجاز العلمي شهادة الله لهذا النبي الكريم أن هذا القرآن كلامه، والأدلة كثيرة كقوله تعالى:
﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾
[سورة يس]
هذه الذرة، كل شيء بالكون فيه كهارب تدور حول نقطة،
﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾
في خلق الإنسان
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾
تقرأ في سورة النحل:
﴿ َالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾
[سورة النحل الآية:8]
الحديث عن سيارة، وعن طائرة، وعن سفينة، أو عن غواصة، مع نزول القرآن لا معنى له إطلاقاً، يقول لك:
﴿ َالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾
يأتي إنسان راكب طائرة، أحدث طائرة تسع أربعمئة وخمسين راكباً كأنك في البيت، على ارتفاع أربعين ألف قدم مقعد وثير يصبح سريراً، أمامك كل شيء، صحف، مجلات، أمامك قنوات، فضائيات، فتح القرآن:
﴿ َالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا ﴾
لا بغل، ولا خيل، ولا حمار، هذه طائرة " 777"، أكمل الآية:
﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
[سورة النحل الآية:8]
معنى ذلك أن هذا القرآن كلام خالق الأكوان، الله عز وجل يعلم ما سيكون، علم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، قال:
﴿ َالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾
لولا هذه التتمة لكان هذا القرآن كلام سيدنا محمد، بحياته هناك خيل وبغال وحمير فقط، لا يوجد طائرات، ولا غواصات، ولا سيارات، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
هذه غطت وسائل النقل المتطورة.
والحمد لله رب العالمين
جزا الله تعالى كل الخير للشيخ الفاضل
محمد النابلسي
والاخوة القائمين على هذا العمل الطيب وتقديمه لاخوانهم المسلمين