بوابة الاعظمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ثقافي اجتماعي اسلامي وتاريخي ورياضي والشعر والقصة


    روائع الشعر العراقي/بدر شاكر السياب/اهواء

    الشامخ
    الشامخ
    المراقب العام
    المراقب العام


    عدد المساهمات : 310
    تاريخ التسجيل : 23/01/2011
    العمر : 41

    روائع الشعر العراقي/بدر شاكر السياب/اهواء Empty روائع الشعر العراقي/بدر شاكر السياب/اهواء

    مُساهمة  الشامخ الإثنين سبتمبر 12, 2022 12:25 pm

    أطلي على طرفي الدامع خيالا من الكوكب الساطع
    ظلا من الأغصن الحالمات على ضفة الجدول الوادع
    و طوفي أناشيد في خاطري يناغين من حبّي الضائع
    يفجّرن من قلبي المستفيض و يقطرن في قلبي السامع
    ******

    لعينيك للكوكبين اللذين يصبان في ناظريّ الضياء
    لنبعين، كالدهر، لا ينضبان و لا يسقيان الحيارى الظماء
    لعينيك ينثال بالأغنيات فؤاد أطال انثيال الدماء
    يودّ، إذا ما دعاك اللسان على البعد لو ذاب فيه النداء
    ******

    يطول انتظاري، لعلي أراك لعلي، ألاقيك بين البشر
    سألقاك. لا بد لي أن أراك و إن كان بالناظر المحتضر
    فديت التي صوّرتها مناي و ظل الكرى في هجير السهر
    أطلي على من حباك الحياة فأصبحت حسناء ملء النظر!
    ******

    اطلي فتاة هواي و الخيال على ناظر الرؤى عالق
    بعشرين من ريقات السنين عبرن المدرات في خافقي
    بعشرين كلاّ وهبت الربيع و ما فيه من عمري العاشق
    فما ظل إلا الربيع صغير أخبّيه للموعد الرائق
    ******

    سأروي على مسمعيك الغداة أحاديث سمّيتهن الهوى
    و أنباء قلب غريق السراب شقيّ التداني ، كئيب النوى
    أصيخي .. فهذي فتاة الحقول و هذا غرام هناك انطوى
    اتدرين عن ربة الراعيات ؟ عن الريف ؟ عما يكون الجوى
    ******

    هو الريف هل تبصرين النخيل ؟ و هذي أغانيه هل تسمعين
    و ذاك الفتى شاعر في صباه و تلك التي علمته الحنين
    هي الفنّ من نبعت المستطاب هي الحبّ من مستقاه الحزين
    رآها تغني وراء القطيع كـ( بنلوب ) تستمهل العاشقين
    ******

    فما كان غير التقاء الفؤادين في خفقة منهما عاتية
    و ما كان غير افترار الشفاة بما يشبه البسمة الحانية
    و كان الهوى ، ثم كان اللقاء لقاء الحبيبين في ناحية
    فما قال : أهواك ، حتى ترامى عياء على ضفة الساقية
    ******

    و أوفى على العاشقين الشتاء و يوم دجا في ضحاه السحاب
    خلا الغاب ما فيه إلا النّخيل و إلا العصافير فهو ارتقاب
    و بين الحبيبين في جانبيه من السّعف في كل ممشى حجاب
    فما كان إلا وميض أضاء ذرى النخل و انحل غيم و ذاب
    ******

    ويا سدرة الغاب كيف استجارا بأفنانك الناطفات المياه
    رآها وقد بلّ من ثوبها حيا زخ فاستقبلتها يداه
    على الجدع يستدفئان الصدور على موعد كل آه بآه
    سلي الجدع كيف التصاق الصدور بهزّاتها، و ابتعاد الشفاه ؟
    ******

    أشاهدت يا غاب رقص الضياء على قطرة بين اهدابها ؟
    ترى أهي تبكي بدمع السماء أساها و أحزان أترابها ؟
    ولكنّها كل نور الحقول و دفء الشذى بين اعشابها
    وأفراح كلّ العصافير فيها و كلّ الفراشات في غابها
    ******

    وذاك الخصام الذي لو يفدّي لفديت ساعته بالوئام
    أفدّيه من أجل يوم ترفّ يد فيه أو لفتة بالسلام
    ومن أجل عينين لا تستطيعان ان تنظرا دون ظل ابتسام
    تذوب له قسوة في الأسارير كالصحو ينحل عنه الغمام
    ******

    خصاماً و لما نعلّ الكؤوس ؟ أحطّمتها قبل أن نسكرا ؟
    خصاماً ، و ما زال بعض الربيع نديّاً على الصيف مخضوضرا ؟
    خصاماً ؟ فهل تمنعين العيون إذا لألأ النّور أن تنظرا؟
    و هل توقفين انعكاس الخيال من النهر، أن يملك المعبرا ؟
    ******

    أغاني شبابتي تستبيك و تدنيك مني، ففيم الجفاء ؟
    كأن قوى ساحر تستبدّ بأقدامك البيض، عند المساء
    و يفضي بك الدّرب حيث استدار، إلى موعدي بين ظلّ وماء
    على الشطّ، بين ارتجاف القلوع وهمس النخيل، و صمت السماء
    ******

    و حجبت خدّيك عن ناظري بكفيك حينا و بالمروحات
    سأشدو و أشدو فما تصنعين اذا احمر خدّاك للأغنيات ؟
    و أرخيت كفيك مبهورتين و أصغيت، واخضل حتى الموات
    إلى أن يموت الشعاع الاخير على الشرق، والحب، والأمنيات
    ******

    و هيهات، إن الهوى لن يموت و لكنّ بعض الهوى يأفل
    كما تأفل الأنجم الساهرات كما يغرب الناظر المسبل،
    كما تستجمّ البحار الفساح ملّيا، كما يرقد الجدول
    كنوم اللظى، كانطواء الجناح كما يصمت الناي و الشمأل !
    ******

    أعام مضى و الهوى ما يزال كما كان، لا يعتريه الفتور
    أهذا هو الصيف يوفي علينا فناقااه ثانية، كالزهور
    و لكنهمن زهور الخلود فلا اظمأت ريّهنّ الحرور
    و لا نال من لونهمن الشتاء و لا استترفت عطرهن الدهور
    أغانيّ و الغاب قفر الوكون حبيس النسائم تحت الدوالي
    ترى ماؤه، لاتّقاد الهجير حريقا بما فوقه من ظلال
    وفوق التعاشيب، حيث الغصون ينئون بافيائهن الثقال
    لها مضجع هدهدته العطور أأبصرت كيف اضطجاع الجمال؟
    ******

    أأمسيت استحضر الذكرات و ما كان بالامس كل الحياة؟
    أضاعت حياتي ؟ أغاب الغرام أماتت على الاغنيات الشفاه؟
    أنمسي، ومازال غاب النخيل خضيلا وما زال فيه الرعاه،
    حديثا على موقد لسامرين : أحبّا، وخابا فوا حسرتاه؟
    ******

    أناديك لو تسمعين النداء و أدعوك أدعوك! يا للجنون
    إذا رن في مسمعيك الغداة من المهد صوت الرضيع الحنون
    و نادى بك الزوّج أن ترضعيه ونادى صدى أخفتته السنون
    فما نفعها صرخة من لهيب أدوّي بها ؟ من عساني أكون؟
    ******

    أعفّرت من كبرياء النداء؟ و أرجعت آمادي القهقرى؟
    نسيت التي صورتها مناي و ناديت انثى ككل الورى ؟
    و اعرضت عن مسمع في السماء إلى مسمع في تراب القرى !
    أتصغي فتاة الهوى و الخيال و أدعو فتاة الهوى و الثرى؟
    ******

    وودعت سجواء بين الحقول و دنيا عن الشر في معزل
    و خلفت في كل ركن خصيل من الريف ذكرى هوى أول
    قصاصات أوراقي الهامسات بشعري على ضفه الجدول
    وجذعا كتبت اسمها الحلو فيه ونايا يغني مع الشمأل
    ******

    فمن هذه المسترق القلوب صبى ملؤها روحة الطافره
    أما كنت ودعت تلك العيون الظليلات و الخصله النافرة؟
    كأني ترشفت قبل الغداة سنى هذه النظرة الآسرة !
    أما كان في الريف شيء كهذا ؟ اما تشبة الربة الغابرة؟!
    ******

    مشى العمر ما بيننا فاصلا فمن لي بأن أسبق الموعد ؟
    و لكنه الحبّ منه الزمان ثوان و مما احتواه المدى
    أراها فانفض عنها السنين كما تنفض الريح برد الندى
    فتغدو و عمري أخو عمرها و يستوقف المولد المولدا
    ******

    و هل تسمع الشعر إن قلته و في مسمعيها ضجيج السنين
    أطلت على السبع من قبل عشر ين عاما و ما كنت الا جنين ؟
    و أمسى و لم تدر أنت الغرام هواها حديث الورى أجمعين
    لقد نبّأوها بهذا الهوى فقالت : و ما أكثر العاشقين ؟!
    ******

    أمن قلبه انثان هذا النشيد إليها، إلى الذئبة الضاريه ؟
    و لو لم يكن فيه طعم الدماء ما استشعرت رنة القافية
    و ما زالت تسبيه غمّازتان تبوحان بالبسمة الخافية
    و ما زالتا تذكران الخيال بما كان في الأعصر الخالية
    ******

    و بالحب و الغادة المستبد صباها به ، يلعبان الورق
    و كيف استكان الإله الصغير فألقى سهام الهوى و الحنق
    رهان، رمى فيه غمّازتيه وورد الخدود، ونور الحدق
    لك الله ، كيف اقتحمت القرون و لم يخب في وجنتيك الألق ؟
    ******

    كأن ابتسامتها و الربيع شقيقتان ، لولا ذبول الزهر
    أآذار ينثر تلك الورود على ثغرها ؟ أم شعاع القمر ؟
    ففي ثغرها افترّ كل الزمان و ما عمر آذار إلا شهر
    و بالروح فديت تلك الشفاه و ان أذكروني بكاس القدر !
    ******

    أطلي على طرفي الدامع خيالا من الكوكب الساطع
    و ظلا من الأغصن الحالمات على ضفة الجدول الوادع
    و طوفي أناشيد في خاطري يناغين من حبي الضائع
    يفجرن من قلبي المستفيض و يقطرن في قلبي السامع

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مايو 10, 2024 8:00 am