بوابة الاعظمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ثقافي اجتماعي اسلامي وتاريخي ورياضي والشعر والقصة


    القول فيما أوتي نوح عليه السلام‏/ج2

    محمود الشمري
    محمود الشمري
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 140
    تاريخ التسجيل : 30/03/2014

    القول فيما أوتي نوح عليه السلام‏/ج2 Empty القول فيما أوتي نوح عليه السلام‏/ج2

    مُساهمة  محمود الشمري الأربعاء مايو 21, 2014 8:40 am

    بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    وقال الإمام الفقيه أبو محمد بن عبد الله بن حامد في كتاب ‏(‏دلائل النُّبُّوة‏)‏ - وهو كتاب حافل -‏:‏ ذكر ما أوتي نوح عليه السلام من الفضائل، وبيان ما أوتي محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم مما يضاهي فضائله ويزيد عليها، إنَّ قوم نوح لما بلغوا من أذيته والاستخفاف به وترك الإيمان بما جاءهم به من عند الله‏.‏
    دعا عليهم فقال‏:‏ ‏{‏رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً‏}‏ ‏[‏نوح‏:‏ 26‏]‏‏.‏
    فاستجاب الله دعوته وغرَّق قومه حتى لم يسلم شيء من الحيوانات والدَّواب إلا من ركب السَّفينة وكان ذلك فضيلة أوتيها إذ أجيبت دعوته وشفي صدره بإهلاك قومه‏.‏
    قلنا‏:‏ وقد أوتي محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم مثله حين ناله من قريش ما ناله من التَّكذيب والاستخفاف، فأنزل الله إليه ملك الجبال وأمره بطاعته فيما أمره به من إهلاك قومه فاختار الصَّبر على أذيتهم والابتهال في الدُّعاء لهم بالهداية‏.‏
    قلت‏:‏ وهذا أحسن‏.‏
    وقد تقدَّم الحديث بذلك عن عائشة، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في قصَّة ذهابه إلى الطَّائف فدعاهم فآذوه فرجع وهو مهموم، فلمَّا كان عند قرن الثَّعالب، ناداه ملك الجبال فقال‏:‏ يا محمَّد إنَّ ربَّك قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد أرسلني إليك لأفعل ما تأمرني به فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين - يعني‏:‏ جبلي مكة اللَّذين يكتنفانها جنوباً وشمالاً، أبو قبيس، وزر -‏.‏
    فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بل استأني بهم لعلَّ الله أن يُخرج من أصلابهم من لا يشرك بالله شيئاً‏)‏‏)‏‏.‏
    وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في مقابلة قوله تعالى‏:‏ ‏(‏‏(‏فدعا ربَّه أني مغلوب فانتصر * ففتحنا أبواب السَّماء بماء منهمر * وفجَّرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر‏)‏‏)‏‏.‏
    أحاديث الاستسقاء عن أنس وغيره، كما تقدَّم ذكرنا لذلك في ‏(‏دلائل النبُّوة‏)‏ قريباً أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم سأله ذلك الأعرابي أن يدعو الله لهم لما بهم من الجدب والجُّوع فرفع يديه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللَّهم اسقنا، اللَّهم اسقنا‏)‏‏)‏
    فما نزل عن المنبر حتى رؤي المطر يتحادر على لحيته الكريمة صلَّى الله عليه وسلَّم فاستحضر من استحضر من الصَّحابة - رضي الله عنهم - قول عمِّه أبي طالب فيه‏:‏
    وأبيضَ يُستسقَى الغَمَامَ بوجهِهِ * ثمالَ اليتامى عِصمةً للأراملِ
    يلوذُ بهِ الهلاكُ من آلِ هاشمٍ * فهمْ عندهُ في نعمةٍ وَفواضِلِ ‏(‏ج/ص‏:‏6/296‏)‏
    وكذلك استسقى في غير ما موضع للجدب والعطش فيجاب كما يريد على قدر الحاجة المائية، ولا أزيد ولا أنقص وهكذا وقع أبلغ في المعجزة وأيضاً فإنَّ هذا ماء رحمة ونعمة، وماء الطُّوفان ماء غضب ونقمة‏.‏
    وأيضاً فإنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه كان يستسقي بالعبَّاس عمّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيسقون‏.‏
    وكذلك ما زال المسلمون في غالب الأزمان والبلدان يستسقون فيجابون فيسقَون، وغيرهم لا يجابون غالباً ولا يسقون ولله الحمد‏.‏
    قال أبو نعيم‏:‏ ولبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً فبلغ جميع من آمن رجالاً ونساءً الذين ركبوا معه سفينته دون مائة نفس، وآمن بنبينا في مدة عشرين سنة النَّاس شرقاً وغرباً ودانت له جبابرة الأرض وملوكها، وخافت زوال ملكهم ككسرى وقيصر وأسلم النَّجاشيّ والأقيال رغبة في دين الله، والتزم من لم يؤمن به من عظماء الأرض الجِّزية والأيادة عن صغار أهل نجران، وهجر، وأيلة، وأنذر دومة، فذلُّوا له منقادين لما أيَّده الله به من الرُّعب الذي يسير بين يديه شهراً، وفتح الفتوح ودخل النَّاس في دين الله أفواجاً‏.‏
    كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً‏}‏ ‏[‏النَّصر‏:‏ 1-3‏]‏‏.‏
    قلت‏:‏ مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد فتح الله له المدينة، وخيبر، ومكة، وأكثر اليمن، وحضرموت وتوفِّي عن مائة ألف صحابي أو يزيدون، وقد كتب في آخر حياته الكريمة إلى سائر ملوك الأرض يدعوهم إلى الله تعالى فمنهم من أجاب، ومنهم من صانع ودارى عن نفسه، ومنهم من تكبَّر فخاب وخسر، كما فعل كسرى بن هرمز حين عتى وبغى وتكبَّر فمزِّق ملكه، وتفرَّق جنده شذر مذر، ثمَّ فتح خلفاؤه من بعده أبو بكر، ثمَّ عمر، ثمَّ عثمان، ثمَّ علي التَّالي على الأثر مشارق الأرض ومغاربها من البحر الغربي إلى البحر الشَّرقي‏.‏
    كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمَّتي ما زوى لي منها‏)‏‏)‏‏.‏
    وقال صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لتنفقنَّ كنوزهما في سبيل الله‏)‏‏)‏‏.‏
    وكذا وقع سواء بسواء فقد استولت الممالك الإسلامية على ملك قيصر وحواصله إلا القسطنطينية، وجميع ممالك كسرى، وبلاد المشرق، وإلى أقصى بلاد المغرب إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه في سنة ستة وثلاثين، فكما عمَّت جميع أهل الأرض النَّقمة بدعوة نوح عليه السلام لما رآهم عليه من التَّمادي في الضَّلال والكفر والفجور، فدعا عليهم غضباً لله ولدينه ورسالته، فاستجاب الله له وغضب لغضبه وانتقم منهم بسببه‏.‏
    كذلك عمَّت جميع أهل الأرض ببركة رسالة محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ودعوته، فآمن من آمن من النَّاس وقامت الحجَّة على من كفر منهم‏.‏
    كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 107‏]‏‏.‏
    وكما قال صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏إنَّما أنا رحمة مهداة‏)‏‏)‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/297‏)‏
    وقال هشام بن عمَّار في كتاب ‏(‏البعث‏)‏‏:‏ حدَّثني عيسى بن عبد الله النعمانيّ، حدَّثنا المسعوديّ عن سعيد ابن أبي سعيد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏‏(‏وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين‏)‏‏)‏‏.‏
    قال‏:‏ من آمن بالله ورسله تمَّت له الرَّحمة في الدُّنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسله عدَّ فيمن يستحق تعجيل ما كان يصيب الأمم قبل ذلك من العذاب والفتن والقذف والخسف‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 28‏]‏‏.‏
    قال ابن عبَّاس‏:‏ النِّعمة محمَّد، والذين بدَّلوا نعمة الله كفراً كفَّار قريش - يعني‏:‏ وكذلك كلَّ من كذَّب به من سائر النَّاس‏.‏
    كما قال‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 17‏]‏‏.‏
    قال أبو نعيم‏:‏ فإن قيل فقد سمَّى الله نوحاً عليه السلام باسم من أسمائه الحسنى، فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 3‏]‏‏.‏
    قلنا‏:‏ وقد سمَّى الله محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم باسمين من أسمائه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏بالمؤمنين رءوف رحيم‏)‏‏)‏‏.‏
    قال‏:‏ وقد خاطب الله الأنبياء بأسمائهم يا نوح، يا إبراهيم، يا موسى، يا داود، يا يحيى، يا عيسى، يا مريم‏.‏
    وقال مخاطباً لمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أيُّها الرَّسول‏)‏‏)‏ ‏(‏‏(‏يا أيُّها النَّبيّ‏)‏‏)‏ ‏(‏‏(‏يا أيُّها المزَّمل‏)‏‏)‏ ‏(‏‏(‏يا أيُّها المدَّثر‏)‏‏)‏‏.‏
    وذلك قائم مقام الكنية بصفة الشَّرف، ولمَّا نسب المشركون أنبياءهم إلى السفه والجنون كلٌّ أجاب عن نفسه، قال نوح‏:‏ ‏{‏يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 67‏]‏‏.‏
    وكذا قال هود عليه السلام‏.‏
    ولمَّا قال فرعون‏:‏ ‏{‏إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُوراً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 101‏]‏‏.‏
    قال موسى‏:‏ ‏{‏قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُوراً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 102‏]‏‏.‏
    وأمَّا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم فإنَّ الله تعالى هو الذي يتولى جوابهم عنه بنفسه الكريمة‏.‏
    كما قال‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 6- 7‏]‏‏.‏
    قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 8‏]‏‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 5-6‏]‏‏.‏
    ‏{‏وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً‏}‏ ‏[‏الطُّور‏:‏ 30-31‏]‏‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏الحاقَّة‏:‏ 41-43‏]‏‏.‏
    ‏{‏وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏ 51‏]‏‏.‏
    قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏ 52‏]‏‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏ 1-4‏]‏‏.‏
    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ‏}‏ ‏[‏النَّحل‏:‏ 103‏]‏‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/298‏)‏
    البداية والنهاية

    ابن كثير رحمه الله

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 5:57 am