بوابة الاعظمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ثقافي اجتماعي اسلامي وتاريخي ورياضي والشعر والقصة


    القول فيما أوتي نوح عليه السلام‏/ج1

    محمود الشمري
    محمود الشمري
    عضو نشيط
    عضو نشيط


    عدد المساهمات : 140
    تاريخ التسجيل : 30/03/2014

    القول فيما أوتي نوح عليه السلام‏/ج1  Empty القول فيما أوتي نوح عليه السلام‏/ج1

    مُساهمة  محمود الشمري الأربعاء مايو 21, 2014 8:36 am

    بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


    القول فيما أوتي نوح عليه السلام‏:‏
    قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏ 10-15‏]‏‏.‏
    وقد ذكرت القصَّة مبسوطة في أوَّل هذا الكتاب وكيف دعا على قومه فنجَّاه الله ومن اتَّبعه من المؤمنين فلم يهلك منهم أحد، وأغرق من خالفه من الكافرين فلم يسلم منهم أحد، حتى ولا ولده‏.‏
    قال شيخنا العلامة أبو المعالي محمد بن علي الأنصاريّ الزَّملكانيّ ومن خطِّه نقلت‏:‏ وبيان أنَّ كل معجزة لنبيّ فلنبِّينا أمثالها إذا تمَّ يستدعي كلاماً طويلاً وتفصيلاً لا يسعه مجلدات عديدة، ولكن ننبِّه بالبعض على البعض، فلنذكر جلائل معجزات الأنبياء - عليهم السَّلام -‏.‏
    فمنها نجاة نوح في السَّفينة بالمؤمنين ولا شكَّ أنَّ حمل الماء للنَّاس من غير سفينة أعظم من السُّلوك عليه في السَّفينة، وقد مشى كثير من الأولياء على متن الماء، وفي قصَّة العلاء بن زياد صاحب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما يدلُّ على ذلك‏.‏
    روى منجاب قال‏:‏ غزونا مع العلاء بن الحضرميّ دارين فدعا بثلاث دعوات فاستجيبت له، فنزلنا منزلاً فطلب الماء فلم يجده، فقام وصلَّى ركعتين وقال‏:‏ اللَّهم إنَّا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوَّك اللَّهم اسقنا غيثاً نتوضأ به ونشرب، ولا يكون لأحد فيه نصيب غيرنا، فسرنا قليلاً فإذا نحن بماء حين أقلعت السَّماء عنه، فتوضأنا منه، وتزوَّدنا وملأت إداوتي وتركتها مكانها حتى أنظر هل استجيب له أم لا، فسرنا قليلاً ثمَّ قلت لأصحابي‏:‏ نسيت إداوتي فرجعت إلى ذلك المكان فكأنَّه لم يصبه ماء قط، ثمَّ سرنا حتى أتينا دارين والبحر بيننا وبينهم‏.‏
    فقال‏:‏ يا علي يا حكيم إنَّا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوَّك اللَّهم فاجعل لنا إليهم سبيلا، فدخلنا البحر فلم يبلغ الماء لبودنا ومشينا على متن الماء ولم يبتل لنا شيء، وذكر بقية القصَّة‏.‏
    فهذا أبلغ من ركوب السَّفينة فإنَّ حمل الماء للسَّفينة معتاد، وأبلغ من فلق البحر لموسى فإنَّ هناك انحسر الماء حتى مشوا على الأرض فالمعجز انحسار الماء، وها هنا صار الماء جسداً يمشون عليه كالأرض وإنَّما هذا منسوب إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبركته، انتهى ما ذكره بحروفه فيما يتعلق بنوح عليه السلام‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/291‏)‏
    وهذه القصَّة التي ساقها شيخنا ذكرها الحافظ أبو بكر البيهقيّ في كتابه ‏(‏الدَّلائل‏)‏ من طريق أبي بكر ابن أبي الدُّنيا عن أبي كريب، عن محمد بن فضيل، عن الصَّلت بن مطر العجليّ، عن عبد الملك ابن أخت سهم، عن سهم بن منجاب قال‏:‏ غزونا مع العلاء بن الحضرميّ فذكره‏.‏
    وقد ذكرها البخاريّ في ‏(‏التَّاريخ الكبير‏)‏ من وجه آخر‏.‏
    ورواها البيهقيّ من طريق أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه كان مع العلاء وشاهد ذلك‏.‏
    وساقها البيهقيّ من طريق عيسى بن يونس عن عبد الله، عن عون، عن أنس بن مالك قال‏:‏ أدركت في هذه الأمَّة ثلاثاً لو كانت في بني إسرائيل لما تقاسمها الأمم‏.‏
    قلنا‏:‏ ما هنَّ يا أبا حمزة ‏؟‏
    قال‏:‏ كنَّا في الصَّفة عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ، فأضاف المرأة إلى النِّساء، وأضاف ابنها إلينا، فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة فمرض أيَّاما ثمَّ قُبض فغمَّضه النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأمر بجهازه، فلمَّا أردنا أن نغسِّله قال‏:‏ ‏(‏‏(‏يا أنس إئت أمَّه فأعلمها‏)‏‏)‏‏.‏
    فأعلمتها، قال‏:‏ فجاءت حتَّى جلست عند قدميه، فأخذت بهما ثمَّ قالت‏:‏ اللَّهم إني أسلمت لك طوعاً وخلعت الأوثان، فلا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحمله‏.‏
    قال‏:‏ فوالله ما انقضى كلامها حتى حرَّك قدميه وألقى الثَّوب عن وجهه، وعاش حتى قبض الله رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وحتَّى هلكت أمَّه‏.‏
    قال أنس‏:‏ ثمَّ جهَّز عمر بن الخطَّاب جيشاً واستعمل عليهم العلاء بن الحضرميَّ‏.‏
    قال أنس‏:‏ وكنت في غزاته، فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا آثار الماء والحرّ شديد فجهدنا العطش ودوابنا وذلك يوم الجمعة‏.‏
    فلمَّا مالت الشَّمس لغروبها صلَّى بنا ركعتين ثمَّ مدَّ يده إلى السَّماء وما نرى في السَّماء شيئاً قال‏:‏ فوالله ما حطَّ يده حتى بعث الله ريحاً، وأنشأ سحاباً، وأفرغت حتى ملأت الغدر والشِّعاب، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا‏.‏
    قال‏:‏ ثمَّ أتينا عدوَّنا وقد جاوز خليجاً في البحر إلى جزيرة‏.‏
    فوقف على الخليج وقال‏:‏ يا علي يا عظيم يا حليم يا كريم ثمَّ قال‏:‏ أجيزوا بسم الله‏.‏
    قال‏:‏ فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فلم نلبث إلا يسيراً فأصبنا العدوّ عليه فقتلنا وأسرنا وسبينا ثمَّ أتينا الخليج، فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا‏.‏
    ثمَّ ذكر موت العلاء ودفنهم إيَّاه في أرض لا تقبل الموتى، ثمَّ إنهم حفروا عليه لينقلوه منها إلى غيرها فلم يجدوه، ثمَّ وإذا اللَّحد يتلألأ نوراً فأعادوا التُّراب عليه ثمَّ ارتحلوا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/292‏)‏
    فهذا السِّياق أتمّ وفيه قصَّة المرأة التي أحيى الله لها ولدها بدعائها، وسننبه على ذلك فيما يتعلق بمعجزات المسيح عيسى بن مريم مع ما يشابهها إن شاء الله تعالى‏.‏
    كما سنشير إلى قصَّة العلاء هذه مع ما سنورده معها ههنا فيما يتعلق بمعجزات موسى عليه السلام في قصَّة فلق البحر لبني إسرائيل وقد أرشد إلى ذلك شيخنا في عيون كلامه‏.‏
    قصَّة أخرى تشبه قصَّة العلاء بن الحضرميّ‏:‏
    روى البيهقيّ في ‏(‏الدَّلائل‏)‏ وقد تقدَّم ذلك أيضاً من طريق سليمان بن مروان الأعمش عن بعض أصحابه قال‏:‏ انتهينا إلى دجلة وهي مادة والأعاجم خلفها‏.‏
    فقال رجل من المسلمين‏:‏ بسم الله ثمَّ اقتحم بفرسه فارتفع على الماء‏.‏
    فقال النَّاس‏:‏ بسم الله ثمَّ اقتحموا فارتفعوا على الماء، فنظر إليهم الأعاجم وقالوا‏:‏ ديوان، ديوان - أي مجانين - ثمَّ ذهبوا على وجوههم‏.‏
    قال‏:‏ فما فقد النَّاس إلا قدحاً كان معلقاً بعذبة سرج، فلمَّا خرجوا أصابوا الغنائم واقتسموا، فجعل الرَّجل يقول‏:‏ من يبادل صفراء ببيضاء‏؟‏
    وقد ذكرنا في السِّيرة العمريّة وأيَّامها وفي التَّفسير أيضاً أنَّ أوَّل من اقتحم دجلة يومئذ أبو عبيدة النفيعيّ أمير الجيوش في أيام عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - وأنَّه نظر إلى دجلة فتلا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 145‏]‏‏.‏
    ثمَّ سمَّى الله تعالى واقتحم بفرسه الماء، واقتحم الجيش وراءه، ولما نظر إليهم الأعاجم يفعلون ذلك جعلوا يقولون‏:‏ ديوان، ديوان - أي مجانين، مجانين - ثمَّ ولَّوا مدبرين فقتلهم المسلمون وغنموا منهم مغانم كثيرة‏.‏
    قصَّة أخرى شبيهة بذلك‏:‏
    وروى البيهقيّ من طريق أبي النضر عن سليمان بن المغيرة أنَّ أبا مسلم الخولانيّ جاء إلى دجلة وهي ترمي الخشب من مدِّها فمشى على الماء والتفت إلى أصحابه وقال‏:‏ هل تفقدون من متاعكم شيئاً فندعو الله تعالى‏؟‏
    ثمَّ قال‏:‏ هذا إسناد صحيح‏.‏
    قلت‏:‏ وقد ذكر الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في ترجمة أبي عبد الله بن أيوب الخولانيّ هذه القصَّة بأبسط من هذه من طريق بقية ابن الوليد حدَّثني محمد بن زياد عن أبي مسلم الخولاني أنَّه كان إذا غزا أرض الرُّوم فمرُّوا بنهر، قال‏:‏ أجيزوا بسم الله‏.‏
    قال‏:‏ ويمر بين أيديهم فيمرُّون على الماء فما يبلغ من الدَّواب إلا إلى الرُّكب، أو في بعض ذلك أو قريبا من ذلك‏.‏
    قال‏:‏ وإذا جازوا قال للنَّاس‏:‏ هل ذهب لكم شيء‏؟‏ من ذهب له شيء فأنا ضامن‏.‏
    قال‏:‏ فألقى مخلاة عمداً فلمَّا جاوزوا، قال الرَّجل‏:‏ مخلاتي وقعت في النَّهر‏.‏
    قال له‏:‏ إتبعني، فإذا المخلاة قد تعلقت ببعض أعواد النَّهر‏.‏
    قال‏:‏ خذها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/293‏)‏
    وقد رواه أبو داود من طريق الأعرابي عنه عن عمرو بن عثمان، عن بقية به، ثمَّ قال أبو داود‏:‏ حدَّثنا موسى بن إسماعيل، حدَّثنا سليمان بن المغيرة عن حميد أنَّ أبا مسلم الخولانيّ أتى على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدِّها فوقف عليها ثمَّ حمد الله وأثنى عليه، وذكر مسير بني إسرائيل في البحر، ثمَّ لهز دابَّته فخاضت الماء وتبعه النَّاس حتَّى قطعوا‏.‏
    ثمَّ قال‏:‏ هل فقدتم شيئاً من متاعكم فأدعو الله أن يرده عليّ ‏؟‏
    وقد رواه ابن عساكر من طريق أخرى عن عبد الكريم بن رشيد، عن حميد بن هلال العدوي، حدَّثني ابن عمي أخي أبي قال‏:‏ خرجت مع أبي مسلم في جيش فأتينا على نهر عجاج منكر، فقلنا لأهل القرية‏:‏ أين المخاضة ‏؟‏
    فقالوا‏:‏ ما كانت هاهنا مخاضة ولكن المخاضة أسفل منكم على ليلتين‏.‏
    فقال أبو مسلم‏:‏ اللَّهم أجزت بني إسرائيل البحر، وإنَّا عبيدك وفي سبيلك فأجزنا هذا النَّهر اليوم، ثمَّ قال‏:‏ اعبروا بسم الله‏.‏
    قال ابن عمي‏:‏ وأنا على فرس فقلت‏:‏ لأدفعنه أوَّل النَّاس خلف فرسه قال‏:‏ فوالله ما بلغ الماء بطون الخيل حتَّى عبر النَّاس كلَّهم‏.‏
    ثمَّ وقف وقال‏:‏ يا معشر المسلمين هل ذهب لأحد منكم شيء فأدعو الله تعالى يرده ‏؟‏
    فهذه الكرامات لهؤلاء الأولياء هي معجزات لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما تقدَّم تقريره لأنَّهم إنَّما نالوها ببركة متابعته ويمن سفارته، إذ فيها حجَّة في الدِّين أكيدة للمسلمين، وهي مشابهة نوح - عليه السَّلام - في مسيره فوق الماء بالسَّفينة التي أمره الله تعالى بعملها، ومعجزة موسى - عليه السَّلام - في فلق البحر، وهذه فيها ما هو أعجب من ذلك من جهة مسيرهم على متن الماء من غير حائل، ومن جهة أنَّه ماء جار والسَّير عليه أعجب من السَّير على الماء القار الذي يجاز، وإن كان ماء الطُّوفان أطمّ وأعظم فهذه خارق والخارق لا فرق بين قليله وكثيره، فإنَّ من سلك على وجه الماء الخضم الجاري العجَّاج فلم يبتل منه نعال خيولهم أو لم يصل إلى بطونها فلا فرق في الخارق بين أن يكون قامة أو ألف قامة، أو أن يكون نهراً أو بحراً، بل كونه نهراً عجاجاً كالبرق الخاطف، والسَّيل الجاري أعظم وأغرب وكذلك بالنّسبة إلى فلق البحر وهو جانب بحر القلزم حتى صار كل فرق كالطود العظيم أي الجبل الكبير، فانحاز الماء يميناً وشمالاً حتَّى بدت أرض البحر وأرسل الله عليها الرِّيح حتى أيبسها ومشت الخيول عليها بلا انزعاج حتَّى جاوزوا عن آخرهم، وأقبل فرعون بجنوده ‏{‏فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 78-79‏]‏‏.‏
    وذلك أنَّهم لمَّا توسَّطوه وهمَّوا بالخروج منه أمر الله البحر فارتطم عليهم فغرقوا عن آخرهم فلم يفلت منهم أحد كما لم يفقد من بني إسرائيل واحد، ففي ذلك آية عظيمة بل آيات معدودات كما بسطنا ذلك في التَّفسير ولله الحمد والمنة‏.‏
    والمقصود أنَّ ما ذكرناه من قصَّة العلاء بن الحضرميّ، وأبي عبد الله الثَّقفيّ، وأبي مسلم الخولانيّ من مسيرهم على تيَّار الماء الجاري فلم يفقد منهم أحد، ولم يفقدوا شيئاً من أمتعتهم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/294‏)‏
    هذا وهُمْ أولياء منهم صحابي، وتابعيان، فما الظَّن لو كان الاحتياج إلى ذلك بحضرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سيِّد الأنبياء وخاتمهم، وأعلاهم منزلة ليلة الإسراء، وإمامهم ليلتئذٍ ببيت المقدس الذي هو محل ولايتهم، ودار بدايتهم، وخطيبهم يوم القيامة، وأعلاهم منزلة في الجنَّة، وأوَّل شافع في الحشر وفي الخروج من النَّار، وفي دخوله الجنَّة وفي رفع الدَّرجات بها‏.‏
    كما بسطنا أقسام الشَّفاعة وأنواعها في آخر الكتاب في أهوال يوم القيامة، وبالله المستعان‏.‏
    وسنذكر في المعجزات الموسوية ما ورد من المعجزات المحمَّدية مما هو أظهر وأبهر منها ونحن الآن فيما يتعلق بمعجزات نوح عليه السلام ولم يذكر شيخنا سوى ما تقدَّم‏.‏
    وأمَّا الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهانيّ فإنَّه قال في آخر كتابه ‏(‏دلائل النُّبوة‏)‏ وهو في مجلدات ثلاث‏:‏ الفصل الثَّالث والثَّلاثون في ذكر موازنة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا ومقابلة ما أوتوا من الآيات بما أوتي، إذ أوتي ما أوتوا وشبهه ونظيره فكان أوَّل الرُّسل نوح عليه السلام وآيته التي أوتي شفاء غيظه، وإجابة دعوته في تعجيل نقمة الله لمكذِّبيه حتى هلك من على بسيط الأرض من صامت وناطق إلا من آمن به ودخل معه في سفينته، ولعمري إنَّها آية جليلة وافقت سابق قدر الله وما قد علمه في هلاكهم‏.‏
    وكذلك نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا كذَّبه قومه وبالغوا في أذيته والاستهانة بمنزلته منَّ الله عزَّ وجل حتى ألقى السَّفيه عقبة ابن أبي معيط سلا الجزور على ظهره وهو ساجد فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللَّهم عليك بالملأ من قريش‏)‏‏)‏‏.‏
    ثمَّ ساق الحديث عن ابن مسعود كما تقدَّم، كما ذكرنا له في صحيح البخاريّ وغيره في وضع الملأ من قريش على ظهر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ساجد عند الكعبة سلا تلك الجزور واستضحاكهم من ذلك حتى أنَّ بعضهم يميل على بعض من شدَّة الضَّحك ولم يزل على ظهره حتى جاءت ابنته فاطمة - عليها السَّلام - فطرحته عن ظهره، ثمَّ أقبلت عليهم تسبَّهم، فلمَّا سلَّم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من صلاته، رفع يديه فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللَّهم عليك بالملأ من قريش‏)‏‏)‏‏.‏
    ثمَّ سمَّى فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏اللَّهم عليك بأبي جهل، وعتبة، وشيبة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة ابن أبي معيط، وعمارة بن الوليد‏)‏‏)‏‏.‏
    قال عبد الله بن مسعود‏:‏ فوالذي بعثه بالحقِّ لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثمَّ سحبوا إلى القليب قليب بدر‏.‏
    وكذلك لمَّا أقبلت قريش يوم بدر في عددها وعديدها فحين عاينهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال رافعاً يديه‏:‏ ‏(‏‏(‏اللَّهم هذه قريش جاءتك بفخرها وخيلائها تجادل وتكذِّب رسولك اللَّهم أصبهم الغداة‏)‏‏)‏‏.‏
    فقتل من سراتهم سبعون، وأسر من أشرافهم سبعون، ولو شاء لاستأصلهم عن آخرهم، ولكن من حلم وشرف نبيِّه أبقى منهم من سبق في قدره أن سيؤمن به وبرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/295‏)‏
    وقد دعا على عتبة ابن أبي لهب أن يسلِّط عليه كلبه بالشَّام فقتله الأسد عند وادي الزَّرقاء قبل مدينة بصرى، وكم له من مثلها ونظيرها كسبع يوسف فقحطوا حتى أكلوا العكبر وهو الدَّم بالوتر، وأكلوا العظام وكل شيء، ثمَّ توصَّلوا إلى تراحمه وشفقته ورأفته، فدعا لهم ففرَّج الله عنهم وسقوا الغيث ببركة دعائه‏.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 4:41 am